Thursday, May 22, 2008

بعيدا بعض الشيء عن السياسة مفهوم التنمية البشرية

طه محمـد بامكار قبسة / ولاية البحر الاحمر

بعيدا بعض الشيء عن السياسة
مفهوم التنمية البشرية
التنمية في مفهومها العام هي تحسين ظروف المواطنين وتغيير مستوى معيشتهم عن طريق تحسين دخلهم الفردي والرفع من شروط الرعاية الصحية وتقديم أحسن منتوج في مجال التربية والتعليم والتثقيف عبر تكثيف برامج العمل ذو الطابع البشري والإنساني والأهلي، وإعداد مشاريع تنموية واستثمارات من أجل خدمة المواطنين والأجيال اللاحقة ضمن ما يسمى بالتنمية المستدامة أو الطويلة الأمد. ترتبط التنمية أيضا بالتحديث والتغيير وتحقيق مؤشرات النمو الاقتصادي ورفع القدرة الإنتاجية وتحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي. وتدور التنمية البشرية حول تطوير:" المقدرة البشرية بسياسات وبرامج اقتصادية واجتماعية ودولية تعزز قدرة الإنسان على تحقيق ذاته. ويرتبط مفهوم التنمية في هذا السياق بتنمية الإنسان من حيث هو هدف ووسيلة، أو بتنمية قدرات الإنسان على سد حاجاته المادية والمعنوية والاجتماعية. وإذ تتركز إستراتيجيات تحقيق التنمية البشرية على إحداث تغييرات في البيئة القانونية والمؤسسية التي يعيش في كنفها البشر، يبقى الأساس في ذلك دائما توسيع خيارات الإنسان وبذلك يتسع فضاء حريته، وهو ما يتضمن البعد الاقتصادي للتنمية دون أن يقتصر عليها.
إن التنمية البشرية...توسيع لقدرة الإنسان على بلوغ أقصى ما يمكن بلوغه من حيث هو فرد أو مجتمع ذو أفراد كثيرة، وذلك بزيادة إمكانياته التي ليست القدرات الاقتصادية إلا مجرد جانب منها. ومن هنا لابد أن تكون السياسات التنموية بالضرورة متعددة الآفاق، لا اقتصادية فحسب.
وهكذا، فالتنمية ذات أبعاد مادية اقتصادية، وأبعاد إنسانية بشرية قائمة على التثقيف وتطوير مؤهلات الكائن البشري عن طريق استثمار قدراته الذاتية للتأقلم مع وضعيات المجتمع المعقدة.
-أسـس التنمية ومرتكزاتها:-
لا يمكن تحقيق التنمية الحقيقية إلا بإرساء الحرية والعدالة ودولة المؤسسات ونشر العلم بين كل أفراد الشعب وتوزيع الثروات بكل إنصاف وتشغيل العقل والمنطق وتغيير العقليات الموروثة وتحرير العقل من أي فكر تقليدي متبلد.
ويمكن الحديث عن التنمية البشرية في إطار ربطها بدولة الحريات والقانون وبدولة المؤسسات ذات الأدوار الحقيقية، والاعتراف بحقوق الإنسان وبالحقوق والواجبات المشتركة والإيمان بقبول الرأي الآخر لتحقيق مصلحة الشعب والإنسان على حد سواء.
ومن هنا، فالتنمية البشرية:" عملية توزيع الخيارات أمام الناس، أي ما ينبغي أن يتاح لهم، وما ينبغي أن تكون عليه أحوالهم، فضلا عما يفعلوه، ضمانا لتنامي مستوى معيشتهم.
والخيارات أمام الإنسان بلا حدود من حيث المبدأ، لكن حدودها وسقوفها مرتبطة بالمحددات المجتمعية، اقتصادية، وسياسية، وثقافية. وبما يتاح لتحقيقها من سلع وخدمات ومعرفة.
وللتنمية البشرية جانبان:-
أولهما: هو تشكيل القدرات البشرية وتنميتها من خلال تحسين مستوى الصحة والمعرفة والمهارة. أما الجانب الثاني، فيتصل بتوظيف القدرات المكتسبة في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية، والاستمتاع بوقت الفراغ. وتتسع مجالات التنمية البشرية لتشمل الاحتياجات المرتبطة بكرامة الإنسان، وحماية حقوقه، مثل حقه في التحرر والحرية،وحقه في المشاركة، وحقه في الحركة والتنقل، وحقه في القانون، وحقوقه الشخصية.
إن هدف التنمية البشرية حسب الخبير اللبناني جورج قرم (ليس مجرد زيادة في الإنتاج، بل هو تمكين الناس من توسيع نطاق خياراتهم ليعيشوا حياة أطول وأفضل وليتجنبوا الأمراض وليملكوا المفاتيح لمخزون العالم من المعرفة إلى آخر ما هنالك. وهكذا، تصبح التنمية عملية تطوير القدرات، لا عملية تعظيم المنفعة أو الرفاهية الاقتصادية كما ينظر إليها اليوم. فالأساس في التنمية البشرية المستدامة ليس الرفاهية المادية فحسب، بل الارتفاع بالمستوى الثقافي للناس بما يسمح لهم أن يعيشوا حياة أكثر امتلاء وأن يمارسوا مواهبهم ويرتقوا بقدراتهم. ويتضح هنا مثلا أن التعليم والثقافة يحققان فوائد معنوية واجتماعية، تتجاوز بكثير فوائدهما الإنتاجية، من احترام الذات إلى القدرة على الاتصال بالآخرين إلى الارتقاء بالذوق الاستهلاكي."
ويضيف جورج قرم بأن الثراء أو الغنى" ليس شرطا لتحقيق الكثير من الأهداف المهمة للأفراد والمجتمعات مثل الديمقراطية أو الحرية والمحافظة عليها. والثروة لا تضمن الاستقرار الاجتماعي أو التماسك السياسي. هذا فضلا عن أن حاجات الإنسان ليست كلها مادية. فالحياة المديدة الآمنة وتذوق العلم والثقافة وتوفر الفرص لممارسة النشاطات الخلاقة وحق المشاركة في تقرير الشؤون العامة وحق التعبير والحفاظ على البيئة من أجل الأجيال الحالية والمقبلة هي بعض الأمثلة على حاجات وحقوق غير مادية قد يعتبرها المرء أهم من المزيد من الإنتاج المادي.
ونفهم من كل هذا أن التنمية البشرية هي التي تتوجه إلى الإنسان ويشارك فيها الإنسان، أي إن الإنسان يصبح في مفهوم التنمية هو المنفعل والفاعل وهو الذات والموضوع والحاضر والمستقبل والإرادة والاختيار. لذا على جميع الطاقات البشرية أن تساهم في خدمة المجتمع المحلي والوطني والإنساني قصد الحصول على السعادة المادية والعقلية والروحية فوق هذه الأرض. وينبغي للناس حسب جورج قرم أن:" يشاركوا مشاركة تامة في القرارات والإجراءات التي تشكل حياتهم. وتبرز هنا بشكل خاص أهمية منظمات المجتمع المدني وإمكانية المحاسبة وتعديل المسار عند الضرورة. فالناس في التنمية ليسوا مجرد متلقين سلبيين بل هم عاملون فاعلون في تشكيلها"
ويساهم المجتمع المدني بعدة أنشطة اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية وعلمية لإخراج المنطقة التي ينتمي إليها ذلك المجتمع من أزماته الخانقة ومشاكله المادية والمالية والبشرية والمعنوية المحبطة عن طريق رسم خطط إصلاحية وتغييريه جادة حاضرا ومستقبلا لتحقيق التنمية المستدامة وتطوير القدرات البشرية الذاتية لخدمة الآخر عن طريق الدفاع عن حقوقه المدنية والسياسية.
ولكن لا يمكن أن يتحقق هذا المجتمع المدني في أرض الواقع بهذه المواصفات الإيجابية إلا في مجتمع ديمقراطي يؤمن بالخلاف والتعددية والحوار، ويستند إلى خطاب التواصل والتسامح الإنساني وحب الغير بدون إقصاء أو تغريب أو ممارسة العدوان ضد الآخرين.
نستنتج مما سبق أن التنمية الحقيقية ليست هي تنمية الموارد الطبيعية والمادية من أجل إشباع الرغبات والحاجيات وتحقيق رفاهية الثراء والغنى، بل التنمية الحقيقية هي التنمية البشرية التي تتخذ طابعين: طابعا ماديا وطابعا معنويا. أي إن التنمية الحقيقية هي التنمية البشرية المستدامة التي تهدف إلى تطوير قدرات الإنسان وتحريره من التخلف والجهل والأمراض والأوبئة والفقر عن طريق تحسين دخله السنوي وتوفير رعاية صحية جيدة وتعليم متطور يؤهله للتكيف مع الوضعيات المعقدة التي يجابهها في المجتمع الخارجي. ومن ثم، فالتنمية الحقيقية هي التي تستهدف الإنسان وسيلة وموضوعا، وتجعله أداة وهدفا. ويعني هذا أن التنمية الحالية لم تعد تنمية اقتصادية فحسب، بل هي تنمية بشرية وإنسانية متكاملة ومتوازنة وشاملة تتبنى العلم وتطوير التكنولوجيا، وتتسلح بالعقل والإرادة،